الخميس، 22 أبريل 2010

أمي ركبت الطائرة ... إخوتي ركبوا الحافلة ... وأنا وضعت أثر قلبي في يدي





المكان: أوكسفورد ، بريطانيا ...
بعد طول إنتظار تـَمـَكـَنـَتْ أمي من الحصول على مقعد في طائرة صباح يوم الخميس ... بعد حادثة السحابة البركانية التي أغلقت كل المطارات ... إنقضى الليل بطيئاً عليها وعلى أخوتي ... الذين كتموا آلامهم وهم يرقبون لحظة فراقها ... وهي عاجزة عن فرح العودة وحزن الرحيل ... لم يجد النوم مكاناً بينهم في تلك الليلة ... فبقت أعينهم يقظة ... ترقب الخطر القادم ... موعد الطائرة ... أول الصباح .... موعد الخروج إلى المطار ... ساعات الفجر الأولى .... موعد العلم بكل المواعيد ... سويعات قبل الحدث ....... حـُبـِسـَتْ الأنفاس وطال الترقب ........

المكان: البيت ، قطر ....
عصف بنا قلق أبي وإنزعاجه المفرط .... فراح يزيد المخاوف .... ويقتل البسمات ... حتى خيمت علينا سحابة تعب ... "موعد الرحلة غير مناسب .. والخطر شديد" ... بذلك تحجج ... فألقى قذائفه في غير محلها ... نمت دون أن أعلم ... بمعدةٍ خاوية ... وقلب ٍ يهوي ......

المكان: هيثرو ، بريطانيا ....
المطار مزدحم .... البرد شديد ... وأبواب الدخول مغلقة حتى قبل الرحلة بثلاث ساعات .... قاعة دافئة تعج بالناس ... على المقاعد ناموا ... والأرض إفترشوا .... وعلى الأعمدة استندوا ... فلم يتركوا مكاناً خالياً .... بدا المكان موبوءاً .... والبقاء فيه مستحيل .... فاستـُحـِبَ البرد على الدفئ .... وفتحت البوابات بعد زمن .... دخلت أمي مودعة إخوتي .... القلوب تتألم ..... والابتسامات تجاهد لتظل على الوجوه .... دخلت أمي ... وإخوتي بقوا يتابعونها بأبصارهم ....
أمي .... إلى قاعة الإنتظار بعد تفتيش ٍموفق ...
إخوتي ... إلى محطة الحافلات ....

الله وحده العالم بما يدور داخلهم ..............

المكان: العمل ، قطر ....
الرسائل لا تتوقف منذ الفجر ... وأنا أتابع ما يحدث معهم ... قلبي غير مستقر ... تفكيري مشتت .... دخلت في شارع ٍ بالخطأ غير الشارع الذي أسلكه يومياً .... وحاولت أن أتذكر رقمي الوظيفي في مكالمة هاتفية تخص العمل ولكني لم أجده ... يرن الهاتف فيتبعه صوت أمي .... مكالمة قصيرة تخللها بعض المزاح .... موعد الإقلاع غير معروف ... وبذلك موعد الوصول غير معروف .... تنطلق أصابع قلبي لتتحسس مشاعر إخوتي .... أختار اسم أحدهم من قائمة جهات الإتصال ... فيأتيني صوت رنين ٍ بدا حزين .... فلا يتوقف .... ولا تأتيني أصواتهم .... تحزن عيناي المعلقة بسماء تصوراتي لهم .... لأراهم في الحافلة عائدين دون أمي .... وكلاً منهم غارق في أفكاره ومخاوفه الخاصة .... يعتصر قلبي وأتنهد .... إلتفت أحدق إلى شهر (ستة) .... رأيت لحظة لقائي بهم .... فشعرت بحرارة في عيني .... عدت أنظر إليهم وهم في الحافلة .... فشعرت بدموعهم الحارة .... تجري على قلبي ....

المكان: ........ بعيداً عن الوقت ... وفي اللا مكان ...
صرخت به وهو يضع قدمه في الطائرة .... "عد .... ماذا تفعل ؟" .... نظر إلي متعجباً ..... ثم تغير وجهه ... فهم قصدي ... عاد بخطواته إلى الوراء .... أومأ برأسه .. وأعتذر بعينيه .... رأيت تعبي معكوساً في عينيه .... ورأيت صدره يعلو ويهبط بسرعة .... علمت ... حاله مثل حالي .... إشتقنا للـّقاء ..... وهدّنا البعد .... ولكن .... مهمتنا لا تنتهي هنا .... جرى إلى الحافلة مستشعراً الدموع الحارة المنزلقة عليه .... وعيناي تتبعانه ......... فوضعت أثره في يدي ...

المكان: العمل ، قطر ....
ألقيت نفسي مستندة ً إلى الكرسي .... أنفاسي متسارعة .... دموعي في عيني .... صدري فارغ فهو لن يعود ..... نظرت إلى الهاتف ... "علي أن أتصل بهم" .......

الأربعاء، 7 أبريل 2010

كل شيء ممكن ....... في الصغر


كانت الحياة سهلة وبسيطة .... لا يوجد شيء مهم ..... مدرسةٌ ولعبٌ وخيال .... العالم كله في أيدينا .... كل شيء نريده .... كان ممكناً .... فإن لم نحصل عليه الآن .... نزلت دمعة مبتسمة .... يتبعها النسيان .... أي شيء كان ممكناً .... كنا نقوم بالكثير من الأمور .... عقولنا يقظة ومتقدة .... تفيكرنا ثابت ... نستطيع أن نكون أي شيء نريده .... فتارةً نحن بحارةٌ أشداء .... وتارةً نحن شرطة أذكياء .... وتارةٌ نركب سفينة إلى الفضاء .... كان التركيز سهلاً .... وكنا نتقبل ونتكيف مع كل ظروف الحياة .... لم نكن نعترض كثيراً فنحن عادةً ما نرضى في نهاية الجدال بما يُملى علينا .... كنا نرى أن الحياة ستستمر على ما هي عليه أبدا .... لا نخشى مرضاً أو حرباً .... لا نلتفت إلى مشاغل الكبار التافهة ... فهم يشغلون أنفسهم في توافه تنتهي بهلاكهم .... نقضي اليوم تلو اليوم ... لا نفكر في نهاية أو بداية .... إن وضعنا في عقلنا القيام بعمل ما .... نقوم إليه دون تردد وتخطيط .... ونواصل العمل عليه حتى ننجزه .... كنا أقوياء وصابرين حقاً .... فعقولنا صافية وقلوبنا بيضاء نقية .... كانت الحياة زاهية بكل الألوان في عيننا .... وكل شيء ينال على إعجابنا ... وإبتسامتنا البريئة تعلو وجوهنا دائماً .......

الآن أتنهد .... وتعلو وجهي نظرة حزينة .... ويدور حولي أبسط سؤال ... لماذا لا أستطيع أن أقوم ببعض ما كنت قادرةً عليه في الصغر ؟! .... أ كنت أقوى .... أ كنت أعْلَـم .... أ كنت أذكى .... يدور هذا السؤال حولي ويديه خلف ظهره ... يطالبني بالإجابة .... أُخفض عيني الحزينة وملؤها التردد ....
يمر علي اليوم ..... تلو اليوم .... وأنا بالكاد أنجز شيئاً ... مرت علي خمسة شهور الآن ... كلما نظرت إليها صدمت أنها مرت .... ولا شيء في ذاكرتي يدل على أن هذا الوقت قد مر .... لماذا لم أخشى شيئاً وأنا طفلة صغيرة .... لماذا أخشى كل شيء وقد بلغت الثالثة والعشرين من العمر .... أمسكت قلماً من قبل .... وكتبت أول قصة لي .... كان ذلك منذ أكثر من ثماني سنوات .... ولم تتوقف يدي عن خط الكلمات حتى كتبت كلمة النهاية في السطر الأخير .... والآن .... أمسكت القلم .... فوجدت يدي تتركه كثيراً .... وتنشغل عنه كثيراً .... حالتي النفسية المتقلبة .... تـُثقل القلم في يدي .... فتعجز أصابعي عن حمله ....
هل كنت أقوى وأنا أصغر؟

كنت طفلةً في الإبتدائية عندما هبت أول رياحٍ شائكة في حياتي .... ولكني كنت قادرة على الإبتسام والمضي قدما ً .... لم أخسر الكثير ... كل ما فعلته تلك الرياح كان إنخفاض درجاتي في المدرسة ....
ومنذ سنة هبت رياحٌ مماثلة .... ولكنها دمرت أغلب ما بنيت ..... فقدت صحتي .... فقدت تركيزي ..... فقدت عزيمتي .... وفقدت ثقتي .... والآن أجاهد لأقضي اليوم ....
هل كنت أقوى وأكثر حكمةً وتعقلاً وأنا أصغر؟

فيا أنا الصغيرة .... هلا عدتي إلي .... هلا أخذتي بيدَيّ .... دُليني على الطريق .... علميني ما المهم .... أريني ما ترين .... خذيني إلى حيث تذهبين .... وأمنعيني من ما تخشين .... يا أنا الصغيرة ... كوني يدي .... كوني عقلي .... كوني قلبي .... أيعقل أن ألجأ إليكِ؟؟ ..... وقدوتي تكونين وتبقين؟!!!