الخميس، 26 يناير 2012

الآن ومنذ أسابيع 


منذ أسابيع فقط كنت أشعر أن العالم كبير وواسع جداً يخفي في طياته الكثير ، كنت أقف أمام نافذتي متأملة العالم سارحةً في ساحات سماءه الواسعة ، يأخذني قارب الأفكار إلى شواطئٍ شتى ، وتتقاذفني الأمواج ، وتشتد بي الريح قاتلة كل فرصة للحياة وتهاجمني مخلوقات لم أعرفها ولم أرها قط ، تقفز منقضة على قاربي من عمق البحار ، مزلزلة الأمان الضعيف الذي كنت أحياه على ظهر هذا القارب الذي لا يمل الإبحار ولا يمل الصمود ، وعندما يعود القارب إلى مرساه الذي انطلق منه أترجل منه وأنا مثقلة بالجراح ، فأشيح عن النافذة وأعود إلى كرسي العمل والحيرة والمقالق تعصف بي .
منذ أسابيع فقط كنت بنتاً تعيش حياة قد أصابت أعظم درجات البساطة رغم التعقيد العظيم الذي يملأ زواياها الخفية ، كنت منطلقة ، كنت بنتاً لا أشبه أحداً من البشر ، كان قلبي مليئاً بالعوالم الأخاذة ، وعقلي المتواضع يحب ترك العالم وزيارتها ، كنت أحيا فيها حياةً لو طفت على السطح لأسعدت الناس جميعاً ، ولكن الوصول إلى تلك العوالم كان شاقاً محفوفاً بالمتطلبات الثقيلة من ما كان يفسد كثيراً من روعتها ، كان هدفي مميزاً برغم الغموض الذي يكتنفه ومشقة السعي إليه ، ولكنه كان مميزاً وكنت أفخر به أمام نفسي وأعتبره العلامة التي تجعلني أتقدم على أقراني .

أما الآن ....
فلا أدري ماذا أقول عن الآن ، لا أدري أهي السعادة من تداعبني أم هو الحزن يخزني بخنجره ، مشغولةٌ واعيةٌ منتبهة ، وهدف آخر احتل حياتي وبتُ أمشي إليه بثباتٍ أكبر وبعينان أثقلهما الواقع وكتفٍ أثقلته عباءة الخوف التي أحاطت به وزرعت دبابيسها عميقاً في جلده ولحمه حتى اشتبكت بالعظام ، جميل هذا الهدف بوضوحه وتكرر حدوثه في حياة الآخرين ، مخيفةٌ سرعة حدوثه وما يتبعه من أحداث ، شبهه الناس بالقيود وبالقفص وكرهت تشبيهاتهم تلك ، ولكنها حقيقة ، أكره الوعي الشديد وأكره الواقع البليد ولكنها من متطلباته الأساسية ، والأريحية معدومة .
يوم الخميس يبتر الجناح ويعجز الطائر عن التحليق في الفضاء ، إن جئت الآن ولا يفصلني عن يوم البتر إلا يومان وقارنت بين ما يكون وما كان ، سأجد نفسي أواصل المشي إلى هذا الهدف ، بما أن الخير قد إجتمع في إنسان يقف في آخر الدرب حيث يتحقق الهدف .
تعطل العقل وجفت البحار وتحطم القارب وكثرت شباك العنكبوت عليه ، وهجرت الشواطئ وانقرضت كل الكائنات التي كانت تسكن تلك العوالم.

ماذا؟!
لمَ ترمقني بهذه النظرة ؟
أ سعيدة أنا ؟ ء أنا أسعد الآن أم قبل أسابيع ؟ أعرف أنك ستسألني عن هذا ....
ولكني لا أملك جواباً أعطيك إياه ...
كم أرثي عالمي المحتضر .... وكم أذرف دمعاً غزيراً عليه ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق