الخميس، 14 أغسطس 2014

عصفور




هبط العصفور الصغير على الأرض بين الحشائش فاغراً منقاره وتلفت في كل الاتجاهات باحثاً عن لمعان قطرة ماء تنقذ جسده الصغير من سياط الشمس الحارقة ... ثم راح ينقر الأرض بمنقاره هنا وهناك ... كما كان حال عدة عصافير صغيرة أخرى ... كانت الحشائش قصيرة للغاية بالكاد تستر أرجل العصافير الصغيرة ... باستثناء بعض أوراق الحشائش الرفيعة التي تمردت وطالت رقابها فوق باقي أوراق الحشائش متفوقةً عليها ... ورغم الحرارة الشديدة إلا أن هذه الأوراق من الحشائش ساعدها تمردها على الحفاظ على لونها الأخضر الغني على عكس باقي الحشائش التي اكتفت بأن تكون خضراء اللون وإن كان قد أصاب لونها شيئاً من البهوت ... اجتمعت أربعة عصافير عند البقعة التي تكثر فيها الحشائش المتمردة ... فلونها الغني اللامع في ضوء الشمس أعطاها أملاً بإمكانية القضاء على العطش رغم السياط الحارقة ... فراحت تنقر بمناقيرها الصغيرة حولها بحثاً عن الخير الذي تمتلكه هذه الحشائش فتنال شيئاً منه ... كانت العصافير تأمل أن تروي نفسها من رطوبة قد تجدها في التربة ...

 

أملت لو كانت في سيارتي قنينة ماء أسكب بعضها لهذه العصافير فترتوي وتدوم خضرة الحشائش ... أضاء اللون الأخضر في إشارة المرور وزمجرت السيارات ... فأدرت رأسي عن تلك البقعة الخضراء وعن العصافير القافزة منطلقةً بسيارتي ...

 

وقف النور عند الرصيف يتأمل سيارتي الراحلة بعد أن ترجل منها خفية ... ثم مشى بهدوء إلى البقعة الخضراء ولم تعره العصافير أي اهتمام ... ثم رفع يده اليمنى ناظراً إليها وكأنه يحمل شيئاً فيها ... جلس القرفصاء ... وأنزل يده إلى الأرض واضعاً ما كان فيها ... فإذا بإناء ينضح بالماء يظهر لامعاً مع تمايل صفحة الماء تحت أشعة الشمس ... فتقافزت العصافير إليه مغرقةً مناقيرها الصغيرة فيه ... فابتسم النور ... ثم رفعت العصافير رؤوسها إلى السماء مبتلعةً الماء الذي حملته في مناقيرها وكأنها تحمد الله على هذه النعمة التي أنقذتها ... وراحت تغرد وتتدافع لتشرب أكثر قافرةً هنا وهناك ... وانسكب الماء بفعل قفزاتها ... لتحني الحشائش رؤوسها وتمد جذورها إلى الماء مرتويةً منه ... فيزداد لمعانها وغنى خضرتها ... رفع النور رأسه ناظراً إلى حيث انطلقت سيارتي وابتسم...

 

ابتسمت وأنا أطفئ سيارتي وأترجل منها .. متمنيةً لو تتحقق الأحلام !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق