السبت، 14 سبتمبر 2013

المنظر عبر النافذة ..


10/9/2013

الأرقام والجداول والملفات المرفقة ظلت تختفي وتقفز ظاهرة ً مرة أخرى ... ومربعات التعليقات الحمراء والصفراء تتكاثر عليها مع مرور الوقت .... وهي تتناوب في الظهور والإختفاء أمام عيني على الشاشة المربعة المضيئة أمامي .... مستجيبة لحركة أصابعي الرشيقة على مربع اللمس ... وفي لحظة تنهد أعدت ظهري إلى الوراء مستندة ً على ظهر الكرسي ... ورفعت عيناي عن الشاشة المضيئة إلى زجاج النافذة خلفها ... شوارع بلادي القريبة من الكورنيش ... المباني المتنوعة ... المسجد الأبيض الصغير ... موقع البناء والعمّال على سطحه يمشون بين القضبان الحديدية البازرة منه ... أشجار النخيل الخضراء المتناثرة حول الشوارع ... السيارات المصطفة في الأراضي التي لم تبنى بعد ... وسيارات أخرى وشاحنات منطلقة في اتجاهات متعاكسة في الشوارع ... البحر الأزرق الباهت في الجو الغابر ... وناطحات السحاب المتكدسة وراءه والتي تكاد تحتفي خلف ستار الغبار ... كل ذلك لا يوحي إلا بالانشغال الشديد في هذه الساعة من الظهيرة وتحت هذه الشمس الحارقة رغم نظرة الرأفة التي ألقتها على البلاد في هذا اليوم ... المرء غارق ٌ في معمعة الحياة وتعقيداتها .... لا تشعر إلا بالضآلة والإنكماش !...

ولكن بنظرة ثانية إلى هذا المنظر ... تكتشف السكون ... كل ما هو عملاق يقف ساكنا ً أمام الحركة الدؤوبة للأقزام ... المباني العملاقة تقف ثابتة ً في صمت عميق ... البحر البعيد ... وستار الغبار العنيد ... أما النخيل فقد اتخذت موقف أخر ... بحركتها البطيئة ... تتمايل مع قليل الرياح المارة ... وأعلام ٌ تتراقص لا مبالية ً بمن حولها ... كلها توحي بغموضٍ لم يُعكَر صفوه بعد ! ....

طفى سؤالٌ رقيق في ظهوره أمام عيناي ... "ما الذي تفعلينه ؟!" ... أسندت رأسي إلى الوراء حائرة ً كيف أدير دفة أفكاري ... جاهلة ً باتجاه دفة حياتي ... رغم جهلي الشديد كستار الغبار الذي لم تبالي أي ناطحة سحاب بكشّه عن نفسها ... إلا أنني أعلم شيئا ً واحدا ً واثقة ٌ بمعرفتي به كالصمت العميق الذي تطلقه هذه المباني الضخمة ... ما أفعله ... هو ليس ما أريد أن أفعله ! .... وما أعيشه هو مجرد مجاراتٍ للحياة .... وقد طال أمدها أكثر من اللازم ...

زمجرة طائرة بخفوت في الأجواء .... وتلاشى صوتها كما ظهر دون أن يعيره أحد أي اهتمام ... وجلست سارحة  في الصمت الذي يشرحه المنظر عبر النافذة لا الحركة والانشغال ... فغيبني الصمت وأردت منه المزيد ... ولكنه أكتفى بدفعة ٍ بسيطة على كتفي جعلت قدماي تخطو خارج خط مسير الناس ... لأستيقظ ناظرة ً إليهم وهم مبرمجين في سيرهم وحركاتهم ولا أدري إن كانوا يعلمون إلى أين يذهبون ...

حركتُ إصبعي على لوحة اللمس ... وأخذت أغلق المربعات الكثيرة المفتوحة ... ثم أغمضت الشاشة عينها ورحت أجمع أغراضي ... وعيناي بالكاد تغادران المنظر عبر النافذة ! ....


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق